قال: (وهذا مأخذ كثير من الكلابية)، والكلابية نسبه إلى عبد الله بن سعيد بن كلاب ، ولقبه: القطان ، وهو شيخ أبي الحسن الأشعري في المرحلة الثانية، وفي الأولى كان معتزلياً، وكان شيخه في هذه المرحلة أبا علي الجبائي زوج أمه، ثم انتقل فصار كلابياً، وفي مرحلة الكلابية كان أبو الحسن الأشعري أشعرياً؛ لأن المذهب الأشعري هو في الحقيقية مذهب الكلابية ، وبالمناسبة يقال: ابن كلاب: وهو ليس اسماً له، وإنما لقب به لأنه كان في الجدال لا يبارى، فكان ينتزع الكلمة من المناظر من المعتزلة أو غيرهم ويرد عليها كما ينتزع ويختطف الكلاب الشيء، أي: من قوته الجدلية.
ومذهب ابن كلاب أقرب إلى أهل السنة والجماعة في كثير من الأمور من المعتزلة ، وقد استطاع أن ينقل أبا الحسن الأشعري من مرحلة الاعتزال إلى مرحلة الكلابية، وهي مذهبه الذي تبناه الأشعري وكتب فيه، وظن أنه الحق في المرحلة الثانية من عمره، ثم بعد ذلك انتقل إلى مذهب السلف وعقيدة أهل السنة والجماعة عندما قابل الإمام محدث البصرة في حينه زكريا بن يحيى الساجي رحمه الله، فجاء إليه يقول له: إني تركت الاعتزال، فقال له: تركته إلى ماذا؟ ثم بين له وقال: ليس الأمر كذلك، وإنما العقيدة الحقة هي عقيدة السلف، وأهل الحديث؛ أهل السنة والجماعة .
فعندما علم الأشعري رحمه الله تعالى -وهو طالب حق- ضرورة أن يتعلم عقيدة السلف؛ انتقل من البصرة إلى بغداد ؛ ليقابل هناك تلاميذ تلاميذ الإمام أحمد رحمه الله؛ ليأخذ عنهم العقيدة كاملة نقية صافية، ثم ينشرها فيما بعد، وهنالك كان شيخ الحنابلة هو الإمام البربهاري ، فذهب إليه وقال له: يا مولاي! لقد رددت على المجوس ، ورددت على النصارى ، ورددت على المعتزلة .. وأخذ يبين له أعماله، وله كتب كثيرة في الردود، فقال البربهاري : لا نعرف هذا كله، وإنما نعرف ما كان عليه الإمام أحمد أي: أن هذه الردود قد تردها لكنك لا تعرف العقيدة الحقة، فالأصل أن يعرف الإنسان الحق ثم يرد على أهل الباطل، وأما من تصدى في الرد على أهل الباطل وهو لا يعرف الحق فقد يقع في شيء من الباطل وهو لا يدري فعند ذلك تفقه في عقيدة السلف، وهي سهلة سلسلة لا تحتاج إلى كثير بحث وخاصة لمثل عقله.
ثم كتب كتابه الإبانة المعروف للجميع، وهو الذي يصرح فيه بعقيدة السلف، وأنه على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل ، فهو الإمام الفاضل، والقدوة الكامل.